إن هدية الموت أيها الأب المبارك هي السيارة التي يعطيها الوالد لولده، الذي لم يبلغ مبلغ العقلاء، ولم
يأنس منه والده رشداً واتزاناً.
كيف تسمح لولدك بقيادة السيارة وأنت تعلم عن العجلة والتهور وعدم التأني في كثير من أموره؟
كيف تشتري لولدك سيارة وهو لم يبلغ السن المسموح له فيها بقيادة السيارة بنفسه؟
كيف تشتري لولدك السيارة، وأنت تعلم أنه لم يدرك قيمة النعمة، ولم يتعود المحافظة عليها؟
كيف تمكن ولدك من قيادة السيارة، وأنت تعلم أن أصدقاءه من فصيلة أصحاب السوء، وشلل الفساد،
ولصوص الأوقات؟
أتظن بذلك أنك ستجعل منه رجلاً يعتمد على نفسه؟
كلا والله، فإن السيارات لا تصنع الرجال، ولكنها مع المراهقين تصنع أجيالاً من المفحطين المعربدين العابثين
بأمن المجتمع، المستهزئين بحياة البشر.
يسير في الطريق وكأنه ملك له وحده، لا يحق لغيره أن يشاركه فيه، ولا يريد أن يرى سيارة أمامه، وإذا
حدث ذلك أخذ يقلب في وجه سائقها أنوار سيارته حتى يضطره إلى الاستسلام والبعد عنه.
أما إذا تجاوزته إحدى السيارات اعتبر ذلك عاراً في جبينه، فلا يهدأ أو يقرّ له قرار حتى يتجاوزها، وإن كلفه
ذلك المراوغة في الطريق والسير بين السيارات.
يسير وقد رفع صوت المسجل عالياً على الأغاني الصاخبة التي يدفعه ضجيجها وصخبها إلى مزيد من
السرعة والتهور وإيذاء الآخرين.
يسير وهو يردد كلمات الأغنية ويتلوى بجسمه كالحية طرباً نشواناً.
يسير وقد غفل عن حق الطريق، وحق الآخرين وحق الدولة في التزام المرور وأنظمته.
يسير وقد غفل عن الله ولقائه، وكأن بينه وبين الموت سداً منيعاً، وأحقاباً متعاقبة.
وفجأة... وفي لحظة لم يحسب حسابها.. تقع الكارثة، وتتحول سيارته التي يتباهى بها إلى كوم من حديد
ضاعت معالمها.. ويتحول هو كذلك إلى أشلاء.
أين الشباب؟.. أين الفرح والنشوة؟.. أين السرعة وترويع الآخرين؟.. أين الاستهزاء بأصحاب المراكب القديمة
والسخرية من سيرهم؟
ضاع كل ذلك، والسبب هو: هدية الموت