كنت قديما أتساءل: كيف يشكو الناس هموما؟
مثل ماذا؟
وما كنت أعي أن الحزن شيء لابد منه في الحياة وأن الهم ضيفٌ لابد أن يزور الصدور؛ فمنها من تبتسم له وتصبر حتى يرتحل ومنها من تضع فوقه جبالا فتكاد تموت ..
لست من كوكبٍ آخر، يصيبني ما يحزنني،
في أول تجربة فهمت كيف يحزن الناس ولكني كنت أظنُّ أن لا خيرَ في الحزن؛ وأنه ليسَ إلا ذاك الضيف الثقيل بل كدت أظنه ذاك المقيم المتعب ..
ولما جاء اليوم الذي يحمل حاله ومتاعه راحلاً ، نظرت إليه فقرأت في ملامحه خيراً كثيرا ، جعلتني ربما إن عاد أستقبله وأنافسه،
فهمتُ أنّ الحزنَ إنْ طرقَ قلبي؛ فهذا يعني أن بذرةَ صبرٍ في نفسي جاء ليُطعمها ويسقيها لتكبر،
وأنّ ملامحَ رفق وأحاسيس فيها جاء ليُلَوِّنَها،
وأن ذنوبا كثرت جاء لينقيها،
وأن نفساً فقيرةً بحاجة دائمة إلى بارئها يجب أن لا تنسى فضله ونعمه فتسأله وتدعوه وترجوه وتتقيه وترضيه..
وأنّ صفحاتٍ فارغةً جاء ليملأها دروساً، يَفهمها صاحبُها فتنمو خبرتُه ويكسب حكمة وعلما..
رأيت الحزنَ شاباً وسيماً مغطى بالأسود؛ تقلق إنْ رأيته مقبلاً وتغتمّ؛ ولا تدري ما تحت هذا الغطاء من خير وجمال .
قال تعالى : " فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا " النساء/19
الرئيسية 
