-
بسم الله الرحمن الرحيم
في موضوعي هذا سأطرح عليكم موضوعا كثيرا ما يغفل عنه الناس إلا إن ذكروا به .. فآمل أن تقرءوه بروية وتتمعنوا ما فيه من كلمات و أرجوا أيضا أن تأخذوا منه العبرة ...
نبدأ ...
تلك اللحظة التي يُلقي فيها الإنسان آخر النظرات على الأبناء و البنات و الإخوة و الأخوات يلقي فيها آخر النظرات على هذه الدنيا وتبدو وجهه معالم السكرات و تخرج من صميم قلبه الآهات و الزفرات . " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد " ..
" كل نفس ذائقة الموت " .. إنها بداية الرحلة إلى الدار الآخرة .. إنها بداية عظيمة .. إذا ضعف جنانك و كثرت خطوبك .. إذا عرضت عليك عند كشف الغطاء ذنوبك .. فتخيل نفسك طريحا بين أهلك وقد وقعت في الحسرة و جفتك العبرة و ثقل منك اللسان واشتدت بك الأحزان و علا صراخ الأهل والإخوان .. ويدعى لك الأطباء ويجمع لك الدواء .. فلا يزيدك ذلك إلا هما و بلاء ..
الله أكبر من ساعة تطوى فيها صحيفتك إما على الحسنات أو على السيئات .. تتمنى حسنة تزاد في الأعمال .. تتمنى حسنة تزاد في الأقوال .. تتمنى صلاح الأقوال و الأفعال .. " ربي لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق و أكن من الصالحين " .. تحس بقلب متقطع من الألم .. تحس بالشعور و الندم أن الأيام انتهت و أن الدنيا قد انقضت ..
" كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " .. لا حول ولا قوة إلا بالله سكنت الحركات .. وخمدت النبضات و غدت جثة هامدة لا روح فيها كأن لم تغن فيها .. يا عبدا من عباد الله تخيل نفسك هذه الجثة التي يُصلى عليها الآن .. إنها لحظة رهيبة .. كيف حالك .. إلى أين مآلك ما هي أمنياتك .. تصور أن المسلمين الآن يصلون عليك .. عليك أنت ..
وصلى المسلمون على الجنازة وحملوها على الأعناق .. أن كانت صالحة قالت : قدموني قدموني .. وإن كانت غير ذلك قالت : يا ويلها أين تذهبون بها .. إلى المقبرة هناك حيث التربة .. حيث الغربة .. حيث الجماجم حيث الدود .. حيث القبور .. أول منازل الآخرة ..
ثم ألبسوك الكفن وحملت إلى العفن و أخرجت من بين أحبابك و جهزت لترابك و أسلمت إلى الدود .. و صرت رهينا بين اللحود وصار القبر مأواك إلى يوم القيامة ومثواك .. " لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد " ..
فلا إله إلا الله من دار تقارب سكانها و تفاوت عُمارها .. فقبر يتقلب في النعيم و الرضوان العظيم .. وقبر في دركات الجحيم والعذاب المقيم ينادي ولا مجيب و يستعتب ولا مستجيب .. انقطعت الأيام بما فيها و عاين الإنسان ما كان يقترفه فيها ..
إنه يوم تجتمع فيه الخصوم وينصف فيه الظالم من المظلوم فتنشر فيه الدواوين لحكومة إله الأولين و الآخرين .. كل هذه الأمم أقيمت في ذلك المشهد العظيم لكي تنهال عليها الأسئلة و تعد له درجاتها و دركاتها بما تجيب هناك .. " يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب " ..
هناك حيث تقف بين يدي الله و الشهود حاضرة و العيون إلى الله ناظرة .. هناك حيث يوقف العبد بين يدي الله جل جلاله .. فينادي منادي الله .. يا فلان ابن فلانة قم للعرض على الله فلا يُنادى أحد بأبيه لكي تزول الأحساب و الأنساب و يذل العباد بين يدي الله رب الأرباب .. " فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " ..
ها أنت قد علمت أن الموت مصير كل حي سوى الله وكل منا سيصل يوما ما إلى اليوم الآخر من حياته .. صبح ليس بعده مساء .. و مساء ليس يليه صبح ! .. و تبدأ تلك السلسلة الرهيبة من الأحداث العظام عبر الموت بوابة الدار الآخرة و لا ينتظر المرء بعد موته إلا جنة نعيمها مقيم أو نار عذابها أليم فماذا تختار ؟ ......
آمل أن يكون موضوعي هذا قد أثر بطريقة ما فيكم .. و أخذكم إلى عالم العبر .. و ذكركم بالموت و عذابه .. و أيقنتم أن الموت لا يميز بين صغير وكبير .. فلا يغركم شبابكم إخواني و لا صحتكم .. فملك الموت قد يأتيكم اليوم ليستلم روحكم .. ففكروا .. هل فعلتم ما يكفي من الأعمال الصالحة كي تلاقوا ربكم ؟ .. و إن كنتم لم تفعلوا فماذا ستقولون لربكم ؟ .. عليكم إخوتي بتذكر الموت في كل لحظة من حياتكم حتى يمنعكم هذا من ارتكاب المعاصي و الخطايا ..
وتذكروا الجنة ونعيمها حتى يزداد إيمانكم ...