الله أكبر الله أكبر
من العبادات العظيمة التي تختص بها هذه الأيام عبادة التكبير لله عز وجل، ورفع الصوت بذلك؛ قال الله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}[الحج: 28] .
والأيام المعلومة هي عشر ذي الحجة، كما ذهب إلى هذا جمهور أهل العلم(1).
وفي صحيح البخاري (كتاب العيدين/باب فضل العمل في أيام التشريق) : (وقال ابن عباس: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} في أيام العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق. وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما)[1](2) ا.هـ.
وقال البخاري في كتاب العيدين أيضا: (باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة.
وكان عمر رضي الله عنه يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا، وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه وممشاه، تلك الأيام جميعا، وكانت ميمونة تكبر يوم النحر، وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد.
وعبادة تكبير الله عز وجل، من أعظم العبادات، وقد أمر الله عز وجل بها نبيه r، وهو أمر لأمته من بعده، قال تعالى في خاتمة سورة الإسراء: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا}.
ومعنى (وكبره تكبيرا) أي: عظمه عظمة تامة، ويقال: أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال: الله أكبر؛ أي: صفه بأنه أكبر من كل شيء.
ويحكى عن بعض السلف أن هذه الآية هي خاتمة «التوراة».
ومن عظمة هذا الذكر أن الصلاة تفتتح به، وأن النداء إليها يفتتح بها ويختتم بها، كما أن الصلاة في نهيتها يكون الاستغفار والتهليل والتسيبح والتحميد والتكبير.
وفي «الصحيحين» ( البخاري/806، مسلم/583) من حديث ابن عباس أنه قال: كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله r بالتكبير.
والطواف بالبيت يفتتح بالتكبير، ورمي الجمار السنة فيه التكبير مع كل جمرة، وعند الصفا وكذلك المروة يفتتح الدعاء بالتكبير ثلاثا، وعند الذبح تقول: بسم الله، والله أكبر.
وقد جاء في «صحيح مسلم» (2173) من حديث هلال بن يساف عن الربيع بن عميلة عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله r: «أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت».
ولو فقه المسلمون معنى هذه العبادة وعملوا بمقتضاها لاستقامة أحوالهم دينا ودنيا، وأولى وأخرى، وذلك عندما يعلم المسلم حقيقة أن الله أكبر من كل شيء، فإنه سوف يلتزم بأوامره، ويجتنب نواهيه، ويعبده حق عبادته، ويتوكل عليه، ولا يخشى فيه لومة لائم.
التكبير المطلق والتكبير المقيد:
ذهب بعض أهل العلم إلى أن التكبير ينقسم إلى قسمين: مطلق ومقيد، فيكون مطلقاً منذ دخول العشر إلى نهاية أيام التشريق، وأما التكبير المقيد فيبدأ من بعد صلاة الفجر من يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق، وذلك بعد أدبار الصلوات الخمس.
صفة التكبير:
لم يثبت عن الرسول r صفة معينة في التكبير، وإنما ثبت عن صحابته رضي الله عنهم في ذلك عدة صفات:
الصفة الأولى(الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا):
روى البيهقي في «الكبرى» (3/316) وفي «فضائل الأعمال» (227) من طريق عبدالرزاق عن معمر عن عاصم عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه كان يكبر فيقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا.
وهذا إسناد صحيح، وصحح سنده الحافظ ابن حجر في «الفتح» (2/462).
الصفة الثانية (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد):
روى ابن أبي شيبة في كتابه «المصنف» (5633) عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن الأسود عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من النحر، يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد