هكذا قرر ابني .. اختار أن يكون حارس مرمى !
لم يكن مهيأ أبدا أن يكون حارس مرمى، لا بنيته الجسدية الضعيفة، ولا صفاته الشخصية الهادئة، ولا أدري كيف راقه أن يكون حارس مرمى!
طلب مني أن أشتري له القميص الخاص بالحارس، الكم الطويل والمادة الأسفنجية عند الكوعين، ولم ينس القفازات أيضا، كان سعيدا وهو يطلب مني هذه الطلبات، بل ويطالبني بسرعة إحضارها.
غالبا .. وفي طريق عودته من مدرسته كان يحكي لي قصصا مختلفة، عن الطالب المرح الذي يشاغب الأستاذ، وعن زميله الذي يبيع الأشياء الخفيفة على الطلاب ويعود محملا بالريالات الكثيرة، وعن الأستاذ الذي يهمس في أذنه أحيانا قائلا: “سلم لي على أبوك”
لكنه في ذلك اليوم أخبرني عن أمر الحراسة هذه، كانت مفاجأة لي بحق، لم أكن أتوقع هذا الطلب أبدا، فما زال في السادسة من عمره وفي الصف الأول الابتدائي، ولم يمارس هذه الرياضة كثيرا كي يقرر هذه القرار الغريب، إضافة إلى ما ذكرت من نحالة جسمه وطبيعته الهادئة، وتلك صفات لا تليق بحارس مرمى، الذي يلزم أن يكون مثابرا مقداما ذا بنية قوية.
نظرت إليه وهو يسترسل في كلامه، ويحكي لي كيف أنقذ ذلك الهدف، وكيف قاد فريقه للفوز على الفصل المنافس، وكيف أن زملاءه معجبون بأدائه.
كانت صدمة لي في الواقع، قادتني ذكرياتي إلى دراستي في المرحلة الابتدائية وكيف كنت أحب أن أسجل الأهداف، لم أجد في الحراسة جمالا، كان الطلاب يتسابقون إلى التقدم إلى الأمام وتسجيل الأهداف، كنا نكره أن نجلس فترة طويلة دون أن نلمس الكرة أو نمسكها، لذا كانت الحراسة حلا لكل طالب لا يملك مهارة اللعب، فتحولت إلى شيء بغيض لنا جميعا ..
ختم رياض كلامه بالسؤال : متى ستشتري لي الملابس؟
حاولت أقنعه بخطأ الاختيار، وأن الحارس مسكين، سيتلقى الكرات القوية، سيصدم بمهاجمين ثائرين، سيصاب في يوم من الأيام لا محالة.
حكيت له كيف أنه وعندما كنت في المرحلة المتوسطة وعندما كنا نركض خلف إحدى الكرات إذ قذفها طالب بدين بقوة، وكان الحارس قد تلقى تعليمات من أحد لاعبي نادي قريتنا بأن يضم يديه معا على صدره وعندما تضرب الكرة بعضديه فإن عليه أن يقبض على الكرة بأصابعه، لكن الحارس المسكين لم يطبق التعليمات جيدا، فتلقى صدره الكرة فأسقطته أرضا يطلب الحياة.
حكيت له حكاية الحارس الذي قاده حظه السيئ أن يكون في مواجهة لاعب أغراه تهادي الكرة أمامه، فتقدم بحماس كي يسدد هدف الفوز لفريقه في الثواني الأخيرة ويحطم عناد الفريق الخصم، لكنه حطم أسنان ذلك الحارس المسكين.
لم تثن تلك القصص ” رياض ” عن طلبه الحثيث أن يصبح حارس مرمى، سكت عن الكلام بعدما رأيته يلتفت يمنة ناحية نافذته يرى علو برج المملكة متمنيا في داخله أن يحقق طموحه العالي، لكني كنت لحظتها أشفق عليه أن يتحمل الصعاب مبكرا، أن يتلقى غضب الطلاب من الدروس ليفجروها في تلك الكرة ويركلوها بأقسى قوتهم.
أشفقت عليه أن تكبر معه تلك الرغبة، ليتحمل قسوة المجتمع ومشاكله، أن يكون صدره ملاذا لضربات الغضب والحقد والحسد، أن يكون مكانا لتراكم جميع الهموم والمشكلات.. أن يكون جسدا يستوعب آلام المجتمع ومواجعه ..
سيكون الأمر عليه صعبا بلا شك، فهموم المجتمع وآلامه لا يمكن أن يحتملها جسد إنسان في مثل جسده..
الرئيسية 
الذهب