قٌٍيَمًة آلعًٍدًٍدًٍ "صٍْفْرٌٍ" عًٍنْدًٍ آلعًٍرٌٍبٌَِ وٍآلآمًمً وٍفْيَ آلحٍّضًٍآرٌٍآتُِِّْ
.
.
يعد الصّفر أوّل الأعداد وأكثرها تبسيطا وأشدها شهرة
ودهشة واستعمالا وأهميّة وروعة . وفي الحقيقة ، يمتاز هذا العدد بمزايا
خاصّة استثنائيّة لا يتمتّع بها أيّ عدد آخر ، إذ بعد انتهاء العدد تسعة ،
تستعين الأعداد بالصّفر من أجل دورة جديدة ، وحين يصل العدّ إلى التّسعة
عشر ، يتدخّل واحد ثان مع الصّفر ، من أجل ابتداء دورة جديدة ثانية . من
هنا ، الصّفر بعد أزليّ ، وهو أساس الخلق ، والسّر الذي ترتكز عليه كل
الأعداد ، وإليه تعود في النهاية لتتنامى وتعظم . لذلك يرمز الصّفر إلى
الاستمرارية ، منه يبتديء كل شيء ، وفيه ينتهي كل شيء ، ويستحيل على
الأعداد الاستمرار من دونه .
.
● الصّفر عند العرب :
نعت العرب الصّفر بالخيّر والمظفّر وكان الصّفر يعتبر في الجاهلية شهرا من
أشهر النّحس , واختلف في أصل التّسمية ، فقال البيروني : (لامتيازهم في
فرقة تسمّى صفريّة ، وسمّي الصّفر صفرا والسّبب وباء كان يعتريهم فيمرضون ،
وتصفرّ ألوانهم) , وقال النويريّ : (كانوا يغيرون على الصّفريّة وهي
بلاد) , وقال المسعوديّ : (وصفر لأسواق كانت في اليمن تسمّى الصّفريّة
وكانوا يحتارون فيها ، ومن تخلّف عنها هلك جوعا) .
ويعتقد عدد من الباحثين أنّ الصّفر يشتقّ من فكرة الخلوّ والفراغ ، فجاء
في اللسان – تحت كلمة صفر – (أنّ العرب سمّوا الشهر صفرا لأنهم كانوا
يغزون فيه القبائل فيتركون من أغاروا عليه صفرا من المتاع) , ويقال في
العربية : (عاد صفر اليدين) .
.
● أهميته :
لا شك أن ما يشهده الناس اليوم من تطور وثّاب في الحضارة المادية ، قائم
على هذا الصفر السحري الذي سُهِّل به الترقيم والحساب ، والذي يسّر الله
تعالى به طرق أبواب الفضاء ، وسخره ليكون قلب التَّقانة الحديثة على
اختلاف أشكالها .
● وظيفته الأصلية :
للصفر وظيفتان عظيمتان هما : الدلالة على معنى : لا شيء ، وملء المنزلة الخالية لحفظ ترتيب المنازل .
● أصـله :
اختلف المؤرخون في أصل الصفر ومنبته : فرجح اكثرهم – ومنهم الدكتور أحمد
سليم سعيدان – أنه هندي الأصل . كما أن العلماء السابقين الذين تكلموا عن
الأرقام الهندية والحساب الهندي ، ذكروا الصفر ضمن كلامهم في هذا المقام .
(وقد زعم البعض أن كلمة الصفر العربية تعريب لكلمة الصفر الهندية (Sunya =
شونيا) ، وليس هذا بشيء . قال الدكتور سعيد في قصة الأرقام والترقيم
“الصفر بمعنى الخلو كلمة عربية أصيلة ، وُجدت من قبل الحساب الهندي ، ومن
قبل الإسلام” . ونحوه في مقدمة تحقيق الفصول في الحساب الهندي)
ومال البعض إلى أن الصفر ربما كان من اختراع الإغريق أو الرومان ؛ لأن
جداول بطليموس الفلكية (المجسطي) – التي كانت في القرن الثاني الميلادي –
فيها إشارة للصفر ، كما أن بعض المخطوطات العربية في الحساب تتكلم عن
الصفر الرومي . إلا أن منهم من اقتصر على نسبة صورة الصفر الدائرية
للإغريق دون اختراع أصل الصفر ، وذلك لأن الصفر من ابتكار الحضارة البابلية
، وزعموا أن الهنود أخذوا الشكل عن الإغريق .
وذهب البعض كما في الفقرة السابقة – إلى أن الصفر من صنع الحضارة البابلية
: فالبابليون لم يستعملوا رمزا للصفر ، لكنهم تركوا مكانه فراغاً إلى أن
كان آخر عهد الكَلدانيين – وهو من أصحاب الحضارة البابلية أيضا – فجعلوا
للصفر رمزا مميزا . ورأى بعضهم انه من وضع عربي . ومنهم من جنح إلى أنه
صيني الأصل . لكن دُفع بأن الصينيين إنما اقتبسوا الصفر من الهنود أو
العرب . ويبدو أن القول الأول هو الأسبه لاعتماد المتقدمين له ، لأن
الأقوال الأخرى لا تستند إلى دليل مقنع .
● الصفر عند الأمم وفي الحضارات :
الصفر والعلماء المسلمون
لم ينس الذين نسبوا الصفر لغير المسلمين ، أن ينوِّهوا بدور المسلمين
الرائد في تمكين وتوسيع استعماله ، قال الدكتور أحمد سليم سعيدان : “إن
العرب لم يبتكروا فكرة الصفر ولا شكله ، وإنما أخذوهما مع الحساب الهندي ،
فإن لم يكن لهم فضل في هذا الصدد فلعل فضلهم في ترسيخ استعمال الصفر ليملأ
المنزلة الخالية في كل حال بلا استثناء” .
الحضارة الإنسانية لم يكن في مقدورها أن تتطور وتصل إلى ما وصلت إليه من
تقدم ازدهار بدون الأرقام العربية ، فهي القاعدة الأصلية للعمليات
الرياضية وللتقدم العلمي في المجالات الهندسية
والاختراعات التقنية ، كما أن استعمال الصفر والاستفادة منه وتطويعه من قبل
علماء المسلمين يعتبر أعظم ابتكار وصلت إليه البشرية ، ومن دونه لما تمكن
الإنسان أن يفرق بين مواقع الأرقام ، فالرقم العربي بعد ابتكار الصفر
أصبح له قيمتان ، قيمة مع نفسه أي أنه يمثل العدد المرسوم والمدون ، وقيمة
أخرى بالنسبة إلى المنزلة التي يقع فيها ، أي موقعه بالنسبة للخانات
الحسابية ، أما الصفر فيملأ الفراغ من المنازل الخالية من الأرقام وهو
الذي يعين المرتبة العددية للرقم ، والخانة المتواجدة فيها الصفر تعني
أنها فارغة من أي رقم حسابي .
● الصّفر في أوربا
في إيطاليا ، أدخل الخبير ليوناردو دو بيز (Leonarde De Pese) <1170-
1250>م. الصّفر تحت اسم (Zephirum ) ، واستعملته إيطاليا حتى القرن
الخامس عشر ، ثمّ تبدّل الاسم إلى (Zephiro) ، وتحوّلت اللفظة إلى (Zero)
ابتداء من العام 1491م.
وفي فرنسا ، تحوّلت اللفظة من (Cifre) إلى (Chifre) ثمّ إلى (Chiffre) .
وفي ألمانيا ، تبدّلت من (Ziffer) أو (Ziffra) ، واليوم تستعمل (Die null) .
وفي إنكلترا استعملت لفظة (Cipher) ، وحلّت محلّها لاحقا لفظة (Zero) .
وفي البرتغال ، تعني لفظة (Cifra) الصّفر بمعنى (Zero) .
وفي أسبانيا ، تحمل (Cifra) معنى (Chiffre) ، كما تعني لفظة (Cero) الصّفر أي (Zero) .
● ويعتبر الخوارزمي (780 – 850)م ، من أبرز علماء العرب والعالم في
الرياضيات ، وقيل إنه هو الذي ابتكر الصّفر وجعله عددا مهما في العمليات
الحسابية .
واستعمل العرب النقطة لتدلّ إلى الصّفر ، وبيّنوا دوره في العمليات الحسابية ، وأهميّته في تحديد مراتب العشرات والمئات والألوف .
ويقول الخوارزمي : (في عمليات الطّرح ، إذا لم يكن هناك باق نضع صفرا ولا
نترك المكان خاليا لئلّا يحدث لبس بين خانة الآحاد وخانة العشرات , و
استعملوا الصّفر مكان الفراغ الذي كان الهنود يتركونه للدّلالة إليه .
● الصّفر في بابل
يعتقد العلماء أنّ البابليين هم أوّل من اخترعوا الصّفر ، لكنّه لم يكن
يمثّل قيمة عدديّة بحدّ ذاته ، وهو الصّفر الأقدم في التاريخ , وقد حصل هذا
الاختراع في القرن الثالث ق.م .
● الصّفر في مصر
في مصر ، لا يتطابق أيّ حرف هيروغليفيّ مع الصّقر ، ولم تشر إليه الحضارة
المصرية إطلاقا ، علما بأنّ عددا من المحاسبين فكّر باختراع مساحة فارغة
بعد العدد تسعة . وكانت الفكرة الرّمزيّة صحيحة تماما ، فالصّفر هو مسافة
التّجدّد إنّه ، تماما ، مثل البيضة الكونيّة ، يمثّل كل الطاقات .
● الصّفر في الهند
في مطلع القرن الخامس ق.م. ظهر الصّفر في الكتابات الهنديّة ، وسمّوه
الفراغ – سونيا – (Sunya) أو سونيابيندا (Sunyabinda) أي الفراغ – وأطلقوا
عليه أحيانا تسمية – خا – (Kha) أي الثّقب ، لكنهم لم يرسموه . ويقال إنهم
استعملوا الدائرة (o) والنّقطة (.) للدّلالة إليه .
● الصّفر في الصّين
في القرن الخامس قبل الميلاد اكتشف الصّينيون صفرا مشابها للصّفر البابليّ
. وبعد مرور ثلاثة قرون ، اخترع الصّينيون صفرا يحمل قيمة عدديّة .