عندما خلق الله الإنسان سخر كل شئ في الكون لخدمته ولكنه أيضا خلق معه ثلاثة أعداء عدوان داخليان وهما النفس والشيطان وعدو خارجي وهو الدنيا, وحديثنا في هذا المقال سيكون بمجمله عن ثالث أعداء الإنسان وهو الدنيا, فلا تجد اثنان أو أكثر يتحدثان في أمر من الأمور إلا وكانت الدنيا أول هذا الأمر وآخرة , ففي هذه الأيام لا صوت يعلو فوق صوت الاكتتاب والأسهم وغيرها, فأصبح الناس لا حديث لهم إلا الأسهم ,فهذا سهم يصعد وهذا ينزل ومع هذا الصعود والنزول تتغير نفسيات الناس بين الصعود والهبوط تبعا لمؤشر السوق حتي تغير الناس وأصبح لا هم لهم إلا متابعة النشرات الاقتصادية في القنوات الفضائية المختلفة . لا شك أن محاولة تحسين العيش وزيادة الدخل من أجل أن يعيل الرجل أسرته هو شئ محمود ولكن الذي نراه الآن هو هجوم شرس من أشخاص يلهثون وراء المال, وخلال ذلك الجري الحثيث يدوسون كل شئ في الطريق.وبعد الاكتتابات تأتي الانتخابات فحيثما نلتفت نجد انتخابات تجري هنا أو هناك سواء في لمجلس الأمة أو نادي رياضي أو جمعية تعاونية أو نقابية ولنا أن نتصور الوسائل التي يتبعها المرشحين من أجل النجاح في تلك الانتخابات,وعمليات التنسيق لها والتي يشوبها العديد من وسائل الضرب تحت الحزام ومحاولات إسقاط المرشحين الآخرين من أعين الناس ولو بالكذب والتدليس,أقسم بالله بأنني شاهدت عملية تنسيق لقائمة من القوائم التي تشكلت لعضوية احدي الجمعيات التعاونية تمت في المقبرة,نعم عزيزي القارئ في المقبرة لأن في موسم الانتخابات يحضر الجميع مناسبات العزاء وحيث أنها فرصة لتواجد الجميع فما المانع من التنسيق من أجل الفوز في الانتخابات ,متناسين الهدف الأساس من الحضور للمقبرة وهو الاتعاظ وتذكر الموت وتوطين النفس علي فراق الدنيا الفانية.
يقول الله عز وجل"فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم" ونحن ننقض ميثاقنا مع الله كل يوم خمس مرات,فنقول في صلاتنا :إياك نعبد وإياك نستعين" ونحن نكذب, فلا نستعين إلا بالمال ولا نعبد إلا المال, ونري الآن كيف قطعت الأرحام بين أفراد العائلة الواحدة بسبب مبلغ من المال أو قطعة أرض أو عقار أو غيرة,حتى أصبح المال هو الذي يحدد العلاقة بين الناس.
يقول فولتير في رسائله الفلسفية : (أن المال هو الديانة الرابعة ففي بورصة لندن يجتمع ممثلون من جميع الأمم فيهم اليهودي والمسيحي والمسلم وجميعهم يتبادلون الصفقات ويتعاملون وكأنهم من ديانة واحدة وهم لا يطلقون صفة الكافر إلا على المفلس)
متصوف الأندلس الكبير محي الدين بن عربي سبق فولتير من حيث اعتباره أن المال أصبح ربا وإلها يعبد حين قال قبل أن يضرب عنقه: (معبود كم تحت قدمي)
وبعد أن قتل قال بعض أصحابه :ما كان ابن عربي يهذي في كلامه حتي في موضع القتل فانظروا في المكان الذي كان يقف عليه فحفروا فوجدوا كنزا من ذهب وفضة قد دفن في ذلك الموضع وكان ابن عربي يعلم بوجوده ولم يقصد بالمعبود الذي تحت قدميه الله عز وجل وتعالي الله عن ذلك علوا كبيرا بل كان يقصد الكنز الذي اتخذه الناس إلها يعبد من دون الله.
يجمع أهل العلم علي أن الدين والدنيا لا يجتمعان في قلب مؤمن,فمن أراد المنزلة العليا وان يكون من آل الله وخاصته فليزهد في الدنيا ولا يأخذ منها إلا ما يعينه عليها وألا تكون الدنيا هي مبلغ علمه وأقصي همه,
فلولا أن مشركي قريش استولوا على أموال "صهيب الرومي" أكان يحظى بدرجة: « ، ربح البيع أبا يحي». ولولا العذابات التي مر بها آل ياسر علي يد كفار قريش أكانوا ينالون مرتبة إن موعدكم الجنة ولولا تقطيع "أنس بن النضر" إرباً في غزوة أحد، أكان ينال شرف: «لو أقسم على الله لأبره " والأمثلة كثيرة.
فلا تكونوا ممن أعمت قلبه الشهوات وسدت مسامعه الدنيا وأصبح مثل ذلك الأعرابي الذي أخرج دينارا من جيبه وقال يخاطبه:" بأبي أنت وأمي,هل أنت راض عني؟ لأتركن في مرضاتك الدنيا والآخرة"وكفي بالموت واعظا.
أسعد أمم الأرض هم قوم سبأ ,على كثرتهم وجدوا امرأة تملكهم , و أنا مفردا لم أجد امرأة تملكني .