الهاء
عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله قالوا: الله ورسوله أعلم قال: أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء والمهاجرين الذين تسد بهم الثغور ويتقي بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيوهم فتقول الملائكة نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؟!! قال: إنهم كانوا عباداً يعبدوني لا يشركون بي شيئاً وتسد بهم الثغور ويتقي بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار".
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهقال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية وأصحابه عنده (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم) إلي آخر الآية، فقال: "هل تدرون أي يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذلك يوم يقول الله عز وجل: يا آدم قم فابعث بعثاً إلي النار، فيقول: وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعون إلي النار وواحدٍ إلي الجنة، فشق ذلك على القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعملوا وابشروا، فإنكم بين خليقتين لم تكونا مع أحد إلا كثرتاه ياجوج وماجوج وإنما أنتم في الناس، أو قال: في الأمم، كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة، إنما أمتي جزء من ألف جزء".
عن زيد بن خالد الجهني ـ رضي الله عنهقال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية، على إثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم اقبل على الناس فقال لهم: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم، "قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي، كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوءٍ كذا وكذا، فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب".
عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنهقال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضحك، فقال: "هل تدرون مم أضحك؟" قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "من مخاطبة العبد ربه ـ عز وجل ـ يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم شهيداً، وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيختم على فيه، فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلي بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بعداً لكن وسحقاً، فعنكن كنت أناضل".
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنهقال: قال أناس يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في الشمس، ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، يا رسول الله، قال: "هل تضارون في القمر ليلة البدر، ليس دونه سحاب؟" قالوا: لا يا رسول الله، قال: "فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك، يجمع الله الناس، فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس أي الشمس ويتبع من كان يعبد القمر أي القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت أي الطواغيت، وتبقى هذه الأمة، فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه، ويضرب جسر جهنم" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذٍ: اللهم سلم، سلم، وبه كلاليب مثل شوك السعدان أما رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: فإنها مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم: فمنهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل، ثم ينجو، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج: ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله، أمر الملائكة أن يخرجوهم فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم آثر السجود، فيخرجونهم قد امتحشوا فيصب عليهم ماء ـ يقال له: ماء الحياة، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار، فيقول: يا رب، قد قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، فاصرف وجهي عن النار، فلا يزال يدعو الله، فيقول: لعلك إن أعطيتك أن تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، فيصرف وجهه عن النار، ثم يقول بعد ذلك: يا رب، قربني إلي باب الجنة، فيقول: ألست قد زعمت أن لا تسألني غيره؟ ويلك ابن آدم، ما أغدرك، فلا يزال يدعو، فيقول:لعلي إن أعطيتك ذلك تسألني غيره، فيقول: لا، وعزتك لا أسألك غيره، فيعطي الله من عهودٍ ومواثيق أن لا يسأله غيره، فيقربه إلي باب الجنة، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: رب، أدخلني الجنة، ثم يقول: الله ـ : أو ليس قد زعمت أن لا تسألني غيره؟ ويلك يا ابن آدم، ما أغدرك، فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك ـ أي الله تعالى، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها، فإذا دخل فيها قيل له: تمن من كذا، فيتمنى، ثم يقال له: تمن من كذا. فيتمنى حتى تنقطع به الأماني، فيقول له؛ هذا لك ومثله معه".
قال أبو هريرة رضي الله عنه ـ: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولاً.
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنهقالوا يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: "هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة، ليست في سحابة"؟ قالوا: لا، قال: فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابةٍ؟ "قالوا: لا، قال: "والذي نفسي بيده، لا تضارون في رؤية ربكم، إلا كما تضارون في رؤية أحدهما، قال: فيلقى العبد، فيقول: أي فل، ألم أكرمك؟ وأسودك؟ وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس، وتربع؟ فيقول: بلى، قال: فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني، ثم يلقي الثاني، فيقول: أي فل، ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل؟ وأذرك ترأس، وتربع؟ فيقول: بلى، أي رب، فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني، ثم يلقي الثالث، فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا رب، آمنت بك وبكتابك، وبرسلك، وصليت وصمت وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع، فيقول: هاهنا إذاً، قال: من ذا الذي يشهد علي؟ فيختم على فيه، ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي، فتنطق فخذه، ولحمه، وعظامه بعمله، وذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه".
عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنهقلنا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: "هل تضارون في رؤية الشمس والقمر، إذا كانت صحواً؟" قلنا: لا، قال: "فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ، إلا كما تضارون في رؤيتهما"، ثم قال: "ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلي ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهةٍ مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر، وغبراتٍ من أهل الكتاب، ثم يؤتي بجهنم تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيزاً ابن الله فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟، فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجرٍ، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا منادياً ينادي: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها، أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد الله رياءً وسمعة، فيذهب كيما يسجد، فيعود ظهره طبقاً واحداً، ثم يؤتي بالجسر، فيجل بين ظهري جهنم، قلنا: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال مدحضة مزلة، عليه خطاطيف، وكلاليب وحسكة مفلطحة، لها شوكة عقيقاء، تكون بنجدٍ، يقال له السعدان، المؤمن عليها كالطرف، وكالبرق، وكالرياح، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، وناجٍ مخدوش ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخرهم يسحب سحباً، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من ربنا يومئذ للجبار، إذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم، يقولون: ربنا إخواننا، كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينارٍ من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلي قدمه، وإلي أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون فيقول: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا"
قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوا فاقرءوا: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها) "فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجبار: بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار، فيخرج أقواماً قد امتحشوا، فيلقون في نهر بأفواه الجنة، يقال له ماء الحياة، فينبتون في حافتيه، كما تنبت الحبة في حميل السيل، قد رأيتموها إلي جانب الصخرة، إلي جانب الشجرة، فما كان إلي الشمس منها كان أخضر، وما كان منها إلي الظل كان أبيض، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ، فيجعل في رقابهم الخواتيم، فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خيرٍ قدموه، فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه